(كاك مسعود) الرئيس الحلم والقائد الرمز
تعرفت على شخصيته الفذة، خلال حوار شيق ذي شجون، جمعني في القاهرة مع الدكتور (قيس الرضواني) رئيس منظمة كـتاب بلاحدود في الشرق الأوسط من (العراق)، واستفسرت من الرضواني عن تاريخ هذا الرجل الذي أثار فضولي الفكري والإنساني، فراح يسرد لي عظيم المواقف، وأنا أقلّب بالانترنت صوراً للرئيس مسعود بارزاني. ولفتت انتباهي صورة عظيمة، جمعت بين أبيه؛ قائد الأمة الكوردية (ملا مصطفى بارزاني) وبين قائد الأمة العربية (جمال عبد الناصر)، وحين نظرت إلى هذه الصورة الخالدة، أيقنت أن قضية الكورد التي حظيت باهتمام ناصر؛ جديرة بالدراسة والتقصي.
لم يعد كاك (مسعود بارزاني) الرئيسَ الأسبقَ لإقليم كوردستان العراق فحسب، بل بات الرئيس الحلم، الذي تحول إلى قائدٍ رمز للاستقلال والحرية في المنطقة عموماً. ويعتبره الكورد رائداً وأباً روحياً لهم، فأطلقوا عليه لقب (كاك مسعود) أي (الأخ الأكبر مسعود) وهو الاسم المقرب إلى قلبه.
ولد في اليوم السادس عشر من آب (أغسطس) العام 1946، إذ خط له القدر تاريخ ميلاده في عام الانتفاضات والثورات والأحداث الجسام في الشرق الأوسط. وهو ابن (ملا مصطفى بارزاني)، الزعيم الديني العسكري العشائري، المنتمي لعائلة من المتدينين والزعماء السياسيين، المنحدرة من منطقة (بارزان).
انضم إلى صفوف المقاتلين مذ كان في السادسة عشرة، حيث قال لأبيه (ملا مصطفى بارزاني) الخالد، مع انطلاق ثورة أيلول 1961: “أريد أن أكون مقاتل بيشمركة”؛ فاشترط عليه أبوه أن يحمل على كتفه بندقية نصف آلية (بَرْنَوْ)، ويصعد قمة جبل، فإن بلغ القمة؛ قَبـِل أبوه الزعيم انتماءه إلى البيشمركة. فانطلق بكل همة إلى القمة، وبلغها بكامل نشاطه وحيويته، وحين عاد ومَثَل بين يدي أبيه باسماً قال له الأب المعلم: “ستكون مقاتلاً مع البيشمركة، لا فرق بينك وبين أصغر مقاتل، لا تقُل إنك ابن ملا مصطفى، بل قل إنك فدائي تدافع عن كوردستان، وستبقى لمدة سنة تحت التدريب العنيف، تعيش عيشة المقاتل الفدائي”، ولعلي أتخيل كاك مسعود، لا يزال يذكر أحداث تلك السنة التي صقلت شخصيته، ورسمت له تباشير درب النضال. ومن يومها، حمل لواء الدفاع عن كوردستان، ليكون الخليفة النبيل لوالده.
استُهدِف – حاله حال أبيه – من قبل الأجهزة الأمنية، التي حاولت تصفيته جسدياً، للتخلص من الأرق الذي سببه لها، وأبرز محاولات اغتياله هي (عملية فيينا) التي أشرف عليها رئيس جهاز المخابرات العراقية شخصياً، ففي بداية العام 1979، عندما كان كاك مسعود عائداً من (واشنطن) ماراً بـ(فيينا)؛ للذهاب إلى (فرنسا)، من أجل لقاء (الخميني)؛ لأنه كان يريد مقابلة أي شخص يمكن أن يكون بديلاً للشاه الذي طعن الكورد في ظهرهم. ذهب كاك مسعود إلى بيت صديق عراقي، ليلتقي بشخص له علاقة بالنظام العراقي، كي يحصل منه على إجابة عن سؤال محدد. وعند خروج كاك مسعود؛ استمهله مضيفه الذي عرف أن ثمة فريق اغتيال بانتظاره. وألغي لقاء فرنسا، وذهب كاك مسعود إلى (قبرص) بجواز سفر حصل عليه من خلال الرئيس الراحل (ياسر عرفات)، إذ تجمعهما علاقة شخصية وإنسانية راقية.
أصبح كاك مسعود على رأس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وانتخاب في العام 2005 رئيساً لإقليم كوردستان، وشهدت البلاد في عهد ولايته حالة ازدهار مُثلى، في حين غرقت مدن العراق – بضمنها (بغداد) العاصمة – في دوامة من العنف الموجع والدمار المفجع والفقر المدقع، ما جعل الإقليم أرضاً للأحلام السعيدة.
يؤكد كاك مسعود أنه ما يزال يحمل الود الكبير للرئيس العراقي الأسبق (عبد الكريم قاسم)، فهو الذي سمح لوالده بالعودة إلى العراق، بعد أن كان مبعداً عنها لثلاث عشرة سنة، وأخرج عمه (الشيخ أحمد) من السجن إذ كان محكوماً بالإعدام. والقضية الأهم حينها – في نظر كاك مسعود – هو الاعتراف بأن الكورد والعرب شركاء في العراق، كما جاء في الدستور المؤقت للعراق، وكانت هذه خطوة مهمّة جداً وقتها، لكن الخطأ الذي ارتكبه قاسم – من وجهة نظر كاك مسعود – هو الخضوع لحاشيته العنصرية من (بعض القوميين العرب).
سيظل كاك مسعود الرئيس الذى يتمناه الكورد فى كل فترة رئاسية، والأب الروحي لقضيتهم الكبرى، ولعمري إنه لقائد إنساني يستحق أن تمنحه الحياة المزيد من العطاء.