تحقيق : ريهام مصطفى
موضوع تجسيد سيرة ذاتية لشخصية معروفة أمر شائك ومحك اختبار شديد الخطورة على كل عضو يشارك في هذا العمل بداية من أصغر عضو بالعملية الابداعية و حتى أكبر عضو فيها، فمن يؤدي فيها مشهد كمن يؤدي فيها بطولة، فهو يحتاج لتحضيرات خاصة و مذاكرة جيدة وموهبة من نوع خاص، فيجب على الممثل أن يمتلك قدارت خاصة نفسياً وتمثيلياً تؤهله للاقتراب من روح الشخصية فلا يكون مقلداً و حسب، ويجب أن يكون المؤلف ملم بالخطوط العريضة للقصة و الروايات الصحيحة عن الشخصية ومتعايش مع كل فرد محيط بذاك الشخص الذي يقدم سيرته الذاتية، ويستمع للمؤيد له وللمعارض، و أيضًا لكل أطراف الرواية، وقارئ جيد لما بين السطور حتى يستطيع أن ينسج خيوط درامية محبكة، أما المخرج فهو مايسترو العمل الذي بدون توجيهاته وملاحظاته ومجهوداته سيضيع كل جهد طاقم العمل، ولا ننسى دور الإنتاج الذي يتكبد تكاليف إنشاء ديكورات خاصة وتصميم ملابس ذا طراز ملائم حسب حقبة كل شخصية فقد سمعنا من زوجة المنسي أن الانتاج كان بيحضر نسخة طبق الأصل لما كان في دولاب المنسي من ملابس ووصل الأمر بهم لإحضار ساعة يد شبيهة تماما بساعة المنسي، فإلى أي مدى يجب أن يهتم الإنتاج بأدق التفاصيل، ولا نغفل دور الماكيير الذي يُصدّق على أداء الشخصية، فهي منظومة إبداعية متكاملة.
وقد تم تداول أخبار منذ فترة وجيزة عبر المواقع الفنية عن تجسيد الفنان “محمد رمضان” ، حياة الراحل القدير “أحمد زكي” ،بمسلسل يحمل اسم “الإمبراطور” ، وما بين مشاركة هذا العمل في الماراثون الرمضاني ٢٠٢١ و بين تأجيله لحين التفاوض مع الورثة، ومع موجة عرض السيرة الذاتية لبطل هام من أبطال قواتنا المسلحة في رمضان السابق من خلال مسلسل “الاختيار” و الإعلان عن جزء آخر لرمضان القادم، وأخبار عن مسلسل جديد يجسد سيرة القيادي الفلسطيني الراحل أبو حسن سلامة ، بعنوان “الأمير الأحمر“، لصالح منصة شاهد الالكترونية حيث سيلعب فيه “تيم الحسن” ، دور البطولة ، وجدنا أن الفرصة قد سنحت لمناقشة قضية جدلية حول تجسيد السير الذاتية هل هي إبداع درامي أم افتقار في الكتابة و الأفكار.
وبخصوص هذا الأمر قد تناقشنا مع بعض نجوم الوسط الفني منهم من شارك في مثل تلك الأعمال ومنهم من كان متابعا جيدا لها،لنتعرف على آرائهم فيما يخص هذا الموضوع.
فقد سألنا الفنان “أحمد شاكر” ، و الذي تميز في تجسيد الشخصيات المعروفة ، و لعل أبرز تلك الادوار حين جسد شخصية المطرب العظيم الراحل “فريد الأطرش” ، بمسلسل “أسمهان” ، وأيضاً عندما جسد حياة العالم الجليل “مصطفى مشرفة” في مسلسله ” رجل من هذا الزمان ” فأجاب:
“إن الرأي الذي يعد أعمال تجسيد السير الذاتية إفلاس درامي هذا رأي متأخر لا ينم عن ثقافة لأننا إذا تابعنا الأمر عالمياً سنجد أعظم الأعمال التي تقدم سنوياً هي أعمال السير الذاتية بالإضافة إلى حصدها لجوائز أوسكار، فالجميع شاهد” هيلين ميرين” ، وهي تجسدالملكة اليزابيث، والكل تابع “ميرلي ستريب” حين جسدت “مارجريت تاتشر” ، في فيلم
The Iron Lady ، وقد فاز الممثل “رامي مالك” ، بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن تجسيده حياة نجم البوب الشهير “فريدي ميركوري ” .
فكيف بعد كل ذلك يزج بأعمال السير الذاتية على أنها أعمال نابعة من إفلاس درامي ، رغم أنها تحتاج لقدرات خاصة في الصناعة والتكنيك المستخدم و طاقات تمثيلية جبارة لإظهارها كما ينبغي. “
أما الفنان “أحمد رفعت” ، الذي جسد دور “رشدي أباظة” ، في مسلسلين “كاريوكا” ، و ” السندريلا” ، وجسد “أحمد مظهر” في مسلسل” فارس الرومانسية” ، ودور” كمال الشناوي” ، في أحد أعماله السابقة قال:
“يجب أن نميز بين أمرين أحدهما هو تجسيد السير الذاتية الذي يعد فن من أصعب الفنون ، والآخر هو إعادة تجسيد الأعمال السالف نجاحها مسبقا، فتجسيد السير الذاتية بعيد كل البعد عن الإفلاس ، لكن إعادة إنتاج أعمال قدمت من قبل هو ما يعد افلاس درامي و افتقارحقيقي في الأفكار ، وهو عكس ما نجده في السير الذاتية إذا قدمت كما ينبغي. “
أما الفنان” أيمن الشيوي” قال :
” لا مانع من تجسيد السير الذاتية لكن بشرط أن يكون الشخص الذي أجسد سيرته درامياً هو شخصية أضافت للمجتمع بحيث أستطيع من خلاله أن أقدم نموذج يحتذى به خلاف ذلك أو ما يعد بأعمال السير الذاتية لتكريم شخص ما ، فبإمكاني أن أقدم ذلك من خلال عمل وثائقي أكرم فيه من أريد تكريمه. “
وأما الفنان “رامي وحيد” ، فكان له رآي خاص حيث قال:
“أنا شخصيا متابع لأعمال السير الذاتية خاصة بعد المجهود الإبداعي الفظيع سواء على مستوى التكنيك المستخدم أو على مستوى الصناعة ذاتها ، لكن من وجهة نظري فأنا أحب تقييم مثل تلك الأعمال على مستوى الصناعة والقدرات الجبارة التي قدمت من خلاله لكن تقييمه على المستوى الدرامي قد يتفق البعض ويختلف البعض الآخر ، فمثلا أنا ذوقي الخاص لا يستهويه متابعة شئ درامي أكون ملم بقصته وخطوطه العريضة وخاصة لو سير ذاتية لأشخاص في العهد القريب فلا يستهويني متابعة عمل أنا على علم مسبق بنهايته لكن مايجذبني في تلك الأعمال طريقة التقديم والعرض و الصناعة في المجمل وهذا ذوقي الخاص . “
و عقب الفنان ” كريم العمري“، عن هذا الموضوع و ذلك بعد مشاركته في مسلسل “الاختيار “ بالإضافة إلى عمله العسكري سابقا فقال:
“عند سماعي تجسيد سيرة حياة المنسي في مسلسل ٣٠ حلقة علقت لصاحب الفكرة وقلت له من أين ستأتي بأحداث تملئ ٣٠ حلقة عن حياة البطل المنسي وبدون أن يمل المشاهد
فالمنسي بالرغم إنه بطل إلا إن حياته مثل حياة كثيرين ، وحينها عرضت عليه أن نقدمها كفيلم أفضل ، لكن النتيجة كانت ولا أروع من ذلك “.
مسلسل “الاختيار” ، يعتبر هو أحدث الأعمال التي قدمت سيرة ذاتية للشهيد العقيد أحمد صابر منسي ، و شهداء ملحمة البرث و الذي كان من بطولة أمير كرارة ، و أحمد العوضي ، و شهد الجميع للمخرج “بيتر ميمي” والمؤلف “باهر دويدار” على روعة هذا العمل .
لذا هذه الأعمال تجد صعوبة في إنتاجها، حتى لو هذا العمل نابع عن رغبة الجمهور، فهو تحدي تام بكل المقاييس، حينها الجمهور لن يهتم بمن سيقدم الشخصية، ولا يريد أن يرى القدرات الجبارة للممثل في محاكاة من يقلد، لكنه يرغب فقط أن يرى صورة حية مرة أخرى للشخصية التي أحبها ولكنها اختفت من عالمه.
فإذا وصل الجمهور إلى هذا الحد من التوحد والتعلق بشخص ستجده يرغب من العمل الدرامي أن يكون بمثابة تذكرة رحلة ذهاب يقطعها للعالم الآخر أو رحلة إياب مؤقتة لتلك الشخصية الراحلة عن عالمنا الذي نحيا فيه .
ومثل تلك الحالة حققها مسلسل (أم كلثوم) بطولة “صابرين” وإخراج المبدعة “إنعام محمد علي“.
وعلى سبيل المثال في عدم التوفيق فكان من حظ مسلسل (أنا قلبي دليلي) عن قصة حياة الراحلة ليلى مراد حيث ذكرت بطلة العمل “صفاءسلطان” بعد عرض المسلسل:
“أن ليلى مراد أبعدتني عن الدراما المصرية بسبب النقد الذي تعرضت له لشهور طويلة ، فأقسمت أن بعد تلك الأزمة أن أبتعد عن الدراما المصرية لفترة ليست بوجيزة.”
وفي النهاية وبعد تناول الآراء بين مؤيد ومعارض وعرض أبرز الأعمال فيما يخص ذلك الموضوع منها من نجح نجاحاً مبهراً ومنها من خيب الآمال
أعمال السيرة الذاتية خطوة شديدة الخطورة يجب الحساب لها والحكم للجمهور.