كشف المستشار القانوني محمد جاويش، عن صحة عمليات التحول الرقمي وتحدث عن البدائل وإهدار الأموال العامة.
حيث تحدث: ‘أصبحت عملية التحول الرقمي ومكينة الخدمات الحكومية ضرورة قصوى لا غنى عنها حتى أنها تكاد أن تُصنف على أنها ضمن مسائل الأمن القومي والحقيقة أن ضرورة ذلك التحول وما يمثله ليست الغاية منه توفير جهد المُتعامل فحسب وإنما من عدة جوانب ، فعلى الصعيد الإقتصادي سنجد أن عشرات الملايين يومياً في كافة أنحاء الجمهورية يتعين عليهم التواجد بالشوارع ووسائل النقل في وقت واحد بداية من الساعة السابعة صباحاً مُتجهين إلى المؤسسات والمصالح المختلفة بغاية الحصول على نسخة مستند أو إنهاء إجراء ما وهو ما يؤدي بدوره إلى إهلاك البنية التحتية المتمثلة في وسائل النقل العام وإهدار كميات مهولة من المواد البترولية يومياً ينتج عنها تحمل الدولة أموالاً طائلة ، وعلى الرغم من أن بعض الخدمات فعلياً قد أصبحت تتم بشكل رقمي غير أن تلك الخدمات لا تُعد ضمن طائفة الخدمات الأساسية كما أنها مُتوفرة بشكل ثانوي لمن يرغب في إستخدامها فإذا ما نظرنا إلى التحول الرقمي المدعوم بسياسة الدولة وتوجهها وتبنيه كمشروع قومي فإن العائد سيفوق المُتصور سواء من حيث وفرة المواد البترولية وتقليص الزحام والأزمات المرورية والتكدسات “.
وتابع : ” أما من الناحية الإدارية فإن التحول الرقمي وميكنة الخدمات ستقضي تماماً على التعامل المباشر بين الموظف والجمهور وما يمثله ذلك من إمكانية تتبع مراقبة أداء الموظف وعدد معاملاته وسرعة إنجازها وحماية الموظف ذاته من الضغط العصبي والنفسي الواقع على عاتقه نتيجة التزاحم والإحتكاك اليومي بينه وبين الجمهور ، أما عن الخدمات ذاتها وما أتناوله منها على سبيل المثال وعلى غرار دولة الإمارات العربية المتحدة التي أعمل بها كمستشار قانوني لأحد المؤسسات فأرى على سبيل المثال بعض الخدمات مثل كيفية إستخراج صحيفة الحالة الجنائية أو ما نُطلق عليه في مصر (الفيش والتشبيه) ففي دولة الإمارات يتم طلب الخدمة من على موقع وزارة الداخلية ويتم سداد الرسوم بالوسائل الإئتمانية المُتاحة لتصل الشهادة إلى طالب الخدمة إلى بريده الإلكتروني ليقوم بطباعتها أو إرسالها للجهة الطالبة لها فلا أعتقد أن لدينا إشكالية في إجراء الخدمة بذلك الشكل لاسيما وأن الأحكام المسجلة ترتبط ببطاقة الرقم القومي وليس بالبصمة فلا تُعد هناك ضرورة لأخذ البصمات عند كل عملية لإستخراج الفيش والتشبيه ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شهادة التحركات أو غيرها بالنسبة لأياً من الخدمات سواء التابعة لوزارة الداخلية سواء فتح بعض انواع البلاغات ومتابعتها واستخراج تصاريح زيارة المسجونين أو غيرها من الوزارات أو المؤسسات غير انني اتناول المجال الاكثر احتكاكاً به في عملي كخدمات وزارة الداخلية والنيابة العامة ووزارة العدل “.
ورداً على ما مايتبادر إلى ذهن القارئ بشأن إشكاليات تطبيق ما سبق من نظام وإستفادة بتطور التكنولوجيا الحديثة ، فالإشكالية الأولى تتمثل فيما يتبادر إلى الأذهان وهو سهولة تزوير وإصطناع المستندات التي غالباً ما تكون لازمة للتقديم أو الحصول على خدمة معينة طالما أن تقديمها يتم عن بُعد بما لا يمنح فرصة للموظف المختص بالإطلاع عليها ورقياً بل أنه قد يتم تزوير المستندات التي تُستخرج إلكترونياً من الجهة المُصدرة لها مثل صحيفة الحالة الجنائية على سبيل المثال طالما أنه سيتم إرساله عن طريق البريد الإلكتروني فسيكون من السهل تزويره وإصطناع ما يماثله على غرار الصحيح ، وحقيقة الأمر أن الدول التي سبقتنا إلى نظام الميكنة والتحول الرقمي قد عالجت ذلك الأمر من جهتين أولهما هو وضع قانون مُشدد وصارم وحازم للجرائم الإلكترونية والتعامل مع حالات تزوير المستندات المنسوبة إلى الجهات الحكومية بعقوبات تصل إلى عشر سنوات ومئات الألاف كغرامات بحسب العملة الوطنية للدولة.
وذلك حرصاً من المُشرع على صيانة وحفظ مسيرة التنمية في الدولة ومحاربة كل ما يمكن أن يُحيط بها من مخاوف أو إعتبارات قد تعطلها فضلاً عن أن الجرأة أو الخطورة الإجرامية للجاني لا تُفرق بين مستند إلكتروني أو ورقي أو ألية إستعماله إذ أن ألية التزوير وجرأة الجاني على القيام بها لا تتغير حسب طبيعة المستند ، أما الإشكالية الأخرى تتمثل في ضمان هوية مستخدم الخدمة التي تتطلب الحضور الشخصي للمتعامل والتأكد من صفته وشخصيته وتلك المسألة تمت معالجتها من خلال توفير تطبيق ذكي للهواتف مؤمن بمعرفة أمن الإتصالات والمعلومات في الدولة ويكون إنشاء حساب على ذلك التطبيق الذكي من خلال مسح الباركود الموجود على ظهر بطاقة الرقم القومي ليمنح ذلك التطبيق الذكي للفرد صلاحية الوصول إلى كافة الخدمات الحكومية من خلال سيطرته التامة على هاتفه المحمول وإستخدامه الرقم السري اللازم لإجراء الخدمة المرغوبة وإذ أن ذلك لا يعد درباً من الخيال إذ أن هناك بعض البنوك داخل مصر حالياً توفر لمستخدميها تطبيق ذكي يمكنه من إجراء أي عمليات مصرفية بما فيها التحويل المالي والإطلاع على تفاصيل حساباته وتعاملاته ومن ثم فإن القيام بمعالجة التحول الرقمي وتبنيه من خلال الدولة وحكومتها هو أمراً يسيراً وستجني الدولة من تطبيقه منافع و اليات تحكم اكثر فائدة وعوائد بشكل غير متصور.