أيها القراء
“ليلتكم سعيدة” .. خالد جلال وتجليات من زمن فات
—————
… …..
عندما يعشق الفنان ما يقدمه لجمهوره..يقف جمهوره احتراما له..
هذا ما فعله المخرج خالد جلال
Khaled Galal
في تحويل رواية قصيرة ” مغنية الكورس” للكاتب أنطون تشيخوف. إلى نص مسرحي يتجسد به الحبر الذي كتبه النص الروسي إلى أشخاص بلحم ودم تتحرك على خشبة المسرح القومي بروح مصرية اصيلة…
عندما يكتب مخرج بثقل وخبرة خالد جلال نص مسرحي هو مخرجه فبالطبع سوف يضع فيه بخبرته الطويلة كل أدواته الفنية ويختار لها أفضل العناصر للقيام بهذه التجربة الغنية ليظهر لنا عمل فني ناجح..
قدم فيها رؤية جديدة للنص مستغلا براعته في تجسيد الأحداث لمسرحيه من فصل واحد … بدأت بمشهد كلاسيكي تجعل المشاهدين يعودون إلى الأربعينات من القرن الماضي بديكور منزل فاخر..
يظهر لنا ” فريد الباشا ” و” الراقصة درية ” ومن حوارهم نستنتج أن فريد شخص ثرى أعطاها خاتم ماسي كهدية.. بينما نفهم منه أن الوقت متأخر.. و يجب عليه الذهاب الى المنزل.. بعدها يطرق الباب مخبر سري أجرته الزوجة و قد صور الباشا مع الراقصه..
و يبتزه في مقابل مبلغ مادى … يتوسل عندها الباشا الى الراقصه ان تعطيه المبلغ في حوار كوميدى ضاحك..
لتظهر بعدها شخصية جديده صاحبة الاتيليه…ليدور حوار في أداء كلاسيكي كاريكاتورى لنكتشف انها تبتزهم أيضا في مقابل المال…
ثم تأتي ابنة الرجل لتبتز الراقصة .. وتأتي زوجته ايضا لكي تساوم الراقصة على مبلغ مالي في مقابل انها لا تقتل نفسها في شقتها..
وفى المشهد الثانى نكتشف أنهم عائلة واحدة قررت عمل تشكيل عصابى لسرقة أموال الراقصات، الزوج والزوجة والابنة وخطيبها وأخت الزوجة، وينتهى بهم الحال في السجن بعد فضح أمرهم على يد الراقصة درية!
فعلى مدار ساعة ونصف من اللغة العربية الفصحى الممتزجة باللهجة العامية القديمة.. والديكور الرائع و التلاعب بالاضواء امتزجت الضحكات بالاعجاب بالتصفيق المستمر..
قدم النص خامة جيدة للممثلين لتحقيق معادلة القصه الاصليه بل قدم العديد من الاضافات كالجزء الأخير في النهاية. . و يقدم تفسيرا منطقيا لاحداث النصب على عكس القصة الأصلية التي تركت بابها مفتوح.و يستخدم طريقة الصدمة في تنبية عقل المشاهد و يجعله يسترجع المشهد السابق عندما ينتقل من مشهد إلى آخر … ولكن اعيب عليه كلمة واحدة وهي استخدام كلمة تكنولوجيا على لسان المخبر في وصفة لكاميرا التصوير التي يحملها.. فهى كلمة ظهرت بعد زمن القصة بكثير.. و كنت أفضل أن ختام المشهد الثانى يكون تمثيلا لا مجرد صوت
– الديكور الذي يقدمه عمرو عبد الله كان رائع.. اجاد استغلال مساحات المسرح القومي حيث قدم ديكور شقة تحتوي على “بلكونة” فى اقصى يمين المسرح ..كان يظهر بها الممثلين كى يربط بين الأحداث فى شقة الراقصة و المشاهد فى قصر فريد باشا ….كما صنع “البار” الذي فاجأنا كمشاهدين أن الممثلين يستخدمونه للدخول والخروج من خشبة المسرح بطريقه سهله وبسيطه
و قد تم استخدام نفس التكنيك في مسرحية أصل و صورة للفنان الراحل محمد عوض.. و لكن يؤخذ عليه أن الديكور لم يوحى لنا انها شقة راقصة.. فلا توجد بها لوحة تجريدية لراقصة أو تماثيل او حتى آلة موسيقية.. و ديكور المشهد الثاني كان بسيطا
-الملابس التي قدمتها هالة الزهوي كانت نجم المسرحية بلا منازع بخبرتها الكبيرة في المسلسلات الدرامية مثل مسلسل زيزينيا .. باستخدام الألوان الراقية التي تميزت بها فترة الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي.. حتى انها اهتمت بتفصيلات كانت مقياسا لنجاح الملابس.. مثل الحذاء الابيض والاسود المميز لتلك الفترة الزمنية التي ارتداها كل من الباشا والمخبر.. ..و من النادر ان نجد اهتماما بهذه الا في الأعمال الفنية التاريخية أو بيد مخرج واعى حريص على كل تفاصيله
– الموسيقى التي استخدمها خالد جلال بأسلوب مرح يجعلك تتذكر افلام بدايات السينما المصرية التي تعتمد على القطع في الكادرات مع موسيقى تشد في الخلفية مع طريقة نطق الممثلين جعلت المشاهدين ينتقلون بالفعل الى زمن الاربعينات
– الاضاءة كانت أحد أبرز أبطال العرض.. اعتمد خالد جلال على تقسيم خشبة المسرح الى منطقتين أساسيتين .. منظر الشقه و هو المشهد الأساسي الذي تواجد به الممثلين.. وعندما يريد أن يتحدث عن ذكريات او يصور أمرا ثانويا كان يظهر احد الممثلين وقوفا في منطقة “ديكور الفرنده” …هذا الأمر جعلنا نشعر كما لو كنا في ننتقل بكاميرا سينمائية متحركة قادرة على تصوير الواقع بطريقة رائعة
– على المسرح استطاع المخرج خالد جلال أن يستغل إمكانيات الممثلين بطريقة اعترف انه، من القلائل الذين يستطيعون أن يستخرجوا إمكانيات الممثل بهذه الجوده
– محمد على رزق قدم لنا أداء فنيا استغل فيه وسامته الجسدية وطول قامته مما أعطى للشخصية هيبة.. في دور الباشا الذي يحاول أن يحافظ على بيته.. وأنه وإن أخطأ في حبه للراقصه ولكنه انسان شريف و جعلنا نتعاطف معه مشفقين عليه من سوء حظه.. ليصدمنا في النهاية أنه النصاب..
– أما مريم السكرى استطاعت ان تجذب أنظار المشاهدين بأدائها المفتعل الساخر المبالغ فيه بحركة الجسد ونبرة الصوت العريضة … لدرجة أنه بالرغم من ظهورها ثلاث مرات flashback في أول ربع ساعة.. فان بمجرد ظهورها كجزء مباشر على خشبة المسرح امتلأت صالة العرض بالتصفيق من المشاهدين.. .. ولا يوجد تفسير لذلك إلا أنها قد استطاعت في خلال الثلاث مشاهد من ( الفلاش باك) ان تقنع مشاهدين أن ما يراه ليس حقيقيا.. وان الحقيقي هو ظهورها على المسرح الآن .. لذا صفقوا لها الآن وليس سابقا
– بسنت صيام قدمت دور الراقصة التي كانت في نظرنا انها الجانية على بيت الباشا .. استطاعت أن تجسد دورا مركبا.. ابتدأ بأنها تحاول استغلال الباشا.. إلى العطف على ابنة الباشا التي أتت تسعطفها أن لا تهدم بيت والدها… استطاعت بتعبيرات وجهها أن تتنقل بين الرغبه في استغلال الباشا و بين عاطفة الامومه في إجادة ممتازة لها كممثلة..
هذا المزيج في الشخصية التي تذكرك بأدوار بتحية كاريوكا في الأفلام القديمة.. لتؤكد لنا بسنت نظرية ابن الوز عوام فهى ابنة الممثل الكبير أحمد صيام
– مروة عيد التي قدمت دور صاحبة الاتيليه.. استطاعت أن تبدع باستخدام طبقات صوتها العاليه و المنخفضة في اقناعنا انها تدافع عن الشرف و الفضيلة.. مروة قدمت دور ضاحك و مميز و أوضحت أنها كممثلة قادرة على استخدام طبقات صوتها بشكل ممتاز و لا غرابة فهي قد حصلت على جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومى للمسرح العام الماضى
– الحان المهدى في دور ابنة الباشا قدمت أوراق اعتمادها كممثلة قادرة على التحرك كفراشة على خشبة المسرح خصوصا في المشهد الذي جرت تبحث فيه عن والدها في أنحاء المنزل .. قدمته بشكل جمع بين رغبة الابنة في لقاء أبيها و كوميديا الموقف .. و ننتظر منها المزيد كممثلة و كمطربة حيث أنها دارسة في أكاديمية الموسيقى العربية
– نديم هشام فى دور المحقق النصاب الذى قدمه بأداء ممتع رشيق ثم نراه وهو خطيب الفتاة الصغيرة شخصا مختلفا …
بالنهايه قدم خالد جلال معزوفة رائعه من الإبداع الفنى و التناغم في تمصير نص عالمي و تحويله إلى حالة مسرحية ضاحكة تثير خيال المشاهد .. ايضا التحكم في أدوات الإخراج.. مع وجود حالة حب بين الممثلين جعلتهم فريق عمل أكثر من رائع.. لتنضم المسرحيه الي الفن الذي يبقى في عقول المشاهدين لأزمنة عديدة
أيها القراء.. ليلتكم سعيدة
… –
كتبها
صموئيل نبيل أديب
المستشار الإعلامي
تصوير
محمد شحاته